فصل: الإخاء والثناء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة (نسخة منقحة)



.دوام العهود:

ومنها ألا يتغير عن إخوانه إذا حدث له غنىً. أنشد المبرد:
لَئِن كانَت الدُنيا أَنالتكَ ثَروةً ** وَأَصبَحتَ مِنها بَعدَ عُسرٍ أَخا يُسرِ

لَقَد كَشَفَ الإِثراءُ عَنكَ خَلائِقاً ** مِن اللؤمِ كانَت تَحتَ سِترٍ مِن الفَقرِ

.التمادي في الخصام:

ومنها ألا يغرق في الخصومة، ويترك للصلح موضعاً؛ فقد روي عن عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو علي كرم الله وجهه: أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما.
قيل لأبي سفيان بن حرب: بم نلت هذا الشرف؟ قال: ما خاصمت رجلاً إلا جعلت للصلح بينناً موضعاً.

.معرفة أقدار الرجال:

ومنها معرفة الرجال ومعاشرتهم على حسب ما يستحقونه، فقد قيل: إن فتى جاء إلى سفيان بن عيينة من خلفه فجذبه، وقال: يا سفيان، حدثني فالتفت سفيان إليه، وقال: يا بني، من جهل أقدار الرجال، فهو بنفسه أجهل.

.مخالف الاعتقاد:

ومنها ألا يعاشر من يخالفه في اعتقاده. قال يحيى بن معاذ: من خالف عقدك عقده خالف قلبك قلبه.

.ذو الود القديم:

ومنها معرفة حق من سبقك بالمودة. قال بلال بن سعيد: من سبقك بالود، فقد استرقك بالشكر.

.الإخاء والثناء:

ومنها ترك التطرية والثناء بعد صحبة الأخوة والمودة. قال عبد الرحمن بن مهدي: إذا تأكد الإخاء سقط الثناء، وقال الحجي لرجل: حبي لك يمنع من الثناء عليك.

.آداب الصحبة:

قال السلمي: والصحبة على أوجه، لكل آدابٌ ومواجب ولوازم.

.صحبة الله:

فمع الله، سبحانه: باتباع أوامره، وترك نواهيه، ودوام ذكره، ودرس كتابه، ومراقبة أسرار العبد إن يختلج فيها ما لا يرضاه مولاه، والرضا بقضائه، والصبر على بلائه، والرحمة والشفقة على خلقه.

.صحبة النبي صلى الله عليه وسلم:

ومع النبي صلى الله عليه وسلم: باتباع سنته، وترك مخالفته فيما دق وجل.

.صحبة الصحابة وآل البيت:

ومع أصحابه وأهل بيته: بالترحم عليهم، وتقديم من قدم، وحسن القول فيهم، وقبول أقوالهم في الأحكام والسنن، لقوله عليه السلام: «أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم»، وقوله عليه السلام: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي».

.صحبة أولياء الله:

ومع أولياء الله: بالخدمة، والاحترام لهم، وتصديقهم فيما يخبرون عن أنفسهم ومشايخهم؛ فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الله، تعالى، يقول: من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة».

.صحبة السلطان:

ومع السلطان: بالطاعة في غير معصية الله إذ مخالفته سنة، فلا يدعو عليه فيهما، بل يدعو له غائباً، ليصلحه الله تعالى، ويصلح على يديه؛ وينصحه في جميع أمور دينه، ويصلي ويجاهد معه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة»، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين، وعامتهم».

.صحبة الأهل والولد:

ومع الأهل والولد: بالمداراة وسعة الخلق والنفس وتمام الشفقة وتعليم الأدب والسنة، وحملهم على الطاعة؛ لقوله تعالى: {يا أَيُّها الَّذين آَمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم ناراً} الآية، والصفح عن عثراتهم، والغض عن مساوئهم في غير إثمٍ أو معصيةٍ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المرأة كالضلع، إن أقمتها تكسرها، وإن داريتها تعش منها على عوج».

.صحبة الإخوان:

ومع الإخوان: بدوام البشر، وبذل المعروف، ونشر المحاسين، وستر القبائح، واستكبار برهم إياك، واستقلال إياهم، وإن كثر، ومساعدتهم بالمال والنفس، ومجانبة الحقد والحسد والبغي وما يكرهون من جميع الوجوه، وترك ما يعتذر منه.

.صحبة العلماء:

ومع العلماء: بملازمة حرماتهم، وقبول أقوالهم، والرجوع إليهم في المهمات، ومعرفة المكان الذي جعله الله لهم من خلافة نبيه ووراثتيه؛ لقوله عليه السلام: «العلماء ورثة الأنبياء».

.صحبة الوالدين:

ومع العلماء: ببرهما بالخدمة بالنفس والمال في حياتهما، وإنجاز وعدهما بعد وفاتهما، والدعاء لهما في كل الأوقات، وإكرام أصدقائهما؛ لقوله؛ عليه السلام: «إن البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه»؛ وقد قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بقي علي من بر والدي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال: «نعم. الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما». وقال عليه السلام: «من العقوق أن يرى أبواك رأياً وترى غيره».

.صحبة الضيف:

ومع الضيف: بالبشر، وطلاقة الوجه، وطيب الحديث، وإظهار السرور، وقبول أمره ونهيه، ورؤية فضله ومنته بإكرامك وتحريه لطعامك.
ولمعرس بن كرام:
مَن دَعانا فَأَبَينا ** فَلَهُ الفَضلُ عَلَينا

فَإِذا نَحنُ أَتَينا ** رَجَعَ الفَضلُ إِلَينا

.آداب الجوارح:

ثم على كل جارحة أدب تختص بهِ:

.أدب البصر:

فأدب البصر نظرك للأخ بالمودة التي يعرفها منك، هو والحاضرون، ناظراً إلى أحسن شيء يبدو منه، غير صارف بصرك عنه في حديثه لك.

.أدب السمع:

وأدب السمع: إظهار التلذذ بحديث محادثك، غير صارف بصرك عنه في حديثه، ولا قاطع له بشيء؛ فإن اضطرك الوقت إلى شيء من ذلك، فأظهر له عذرك.

.أدب اللسان:

وأدب اللسان: أن تحدث الإخوان بما يحبون في وقت نشاطهم لسماع ذلك، باذلاً لهم النصيحة بما فيه صلاحهم، مسقطاً من كلامك ما يكرهونه؛ ولا ترفع صوتك عليهم، ولا تخاطبهم إلا بما يفهمونه ويعلمونه.

.أدب اليدين:

وأدب اليدين: بسطهما للإخوان بالبر والصلة، ولا تقبضهما عنه، ولا عن الإفضال عليهم ومعونتهم فيما يستعينون به.

.أدب الرجلين:

وأدب الرجلين: أن تماشي إخوانك على حد التبع، ولا تتقدمهم؛ فإن قربك إليه تقرب بقدر الحاجة، وترجع إلى مكانك؛ ولا تقعد عن حقوق الإخوان ثقة بالأخوة، لأن الفضيل رحمه الله، قال: ترك حقوقهم مذلة، وتقوم لهم إذا أبصرتهم مقبلين، ولا تقعد إلا بقعودهم، وتقعد حيث يقعدونك.

.آداب البواطن:

.عنوان أدب الباطن:

واعلم، يا أخي، وفقك الله للرغبة في أدب الصحبة، أن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى رجلاً يمس لحيته في الصلاة، فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه»؛ وقال الجنيد لأبي حفص، رحمة الله عليهما: أدبت أصحابك أدب السلاطين، فقال: لا، يا أبا القاسم، ولكن حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن.

.اقتران الأدب بالعلم والحال والصحبة:

ثم اعلم أن كل علم وحال وصحبة خرج من غير أدب غالب مرود على أهله، لقوله عليه السلام: «إن الله أدبني فأحسن تأديبي». وكان عليه السلام يحب معالي الأخلاق.

.الباطن مطلع الله:

وإذا وجب على العبد مراعاة ظاهره لصحبة الخلق، فمراعاة باطنه أولى؛ لأنه مطلع الرب تعالى.

.أوجه مراعاة الباطن:

ومراعاة باطنه وآدابها بملازمة: الإخلاص، والتوكل، والخوف، والرجاء، والرضا، والصبر، وسلامة الصدر، وحسن الطوية، والاهتمام بذلك في أمر المسلمين؛ لقوله عليه السلام: «من لم يهتم للمسلمين فليس منهم».
فإذا تأدب الناظر في كتابنا هذا بهذه الآداب، وتأدب ظاهره بما ذكرنا، رجوت أن يكون من الموقنين.
فنسأل الله، سبحانه وتعالى، أن يوفقنا للأخلاق الجميلة، وأن يسددنا في أفعالنا وأقوالنا وأحوالنا بمنة وكرمه، إنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.
والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، محمدٍ وآله وصحبه، وسلم.